أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو : السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، للدكتور محروس حفظي

بتاريخ 9 محرم 1447هـ ، الموافق 4 يوليو 2025م

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو 2025 م بعنوان : السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 9 محرم 1447هـ ، الموافق 4 يوليو 2025م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : السلامُ رسالةُ الإسلامِ.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

.

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

عناصر خطبة الجمعة القادمة 27 يونيو 2025م بعنوان : السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) السلامُ مِن أعظمِ مقاصدِ الإسلامِ.

(2) نبيُّنَا نبيُّ السلمِ والسلامِ.

(3) صورُ السلامِ في الإسلامِ.       

(4) تضحيةُ الفردِ مِن أجلِ المجتمعِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو 2025م بعنوان: السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 

 السلامُ رسالةُ الإسلامِ

بتاريخ 9 محرم 1447هـ = الموافق 4 يوليو 2025 م

 

الحمدُ للهِ حَمداً يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو : السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، للدكتور محروس حفظي

(1) السلامُ مِن أعظمِ مقاصدِ الإسلامِ:

الإسلامُ  بمدلولِهِ العامِّ “معناهُ السلامُ”، وهو مشتقٌ مِن صفةِ اللهِ واسمهِ الكريمِ “السلام”، قالَ تعالَى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ } [الحشر : 23]،  ثُمَّ أمرَ اللهُ أنْ يدخلَ فيهِ جميعُ المؤمنينَ فقالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}[البقرة: 208 ]، وأخبرَ القرآنُ أنَّ سبيلَ اللهِ ودينَهُ هو السلامُ فقالَ تعالَى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: 16].

“السلامُ” مِن أعظمِ المننِ على الإطلاقِ، بهِ يحصلُ الاستقرارُ والبناءُ والعمرانُ، وانظرْ أيَّ بقعةٍ مِن أرجاءِ المعمورةِ إذَا نُزِعَ السلامُ منهَا، وحلَّ الخوفُ مكانهَا كيفَ مآلُهَا مِن الخرابِ والكسادِ، والإنسانُ قد يفتحُ عليهَا مِن أبوابِ النعيمِ، لكنَّهُ يفقدُ السلامَ، فلا يهنأُ ولا يستلذُّ بمَا رُزقَ النعم، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67].

وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» (رواه الترمذي، وابن حبان).

إنَّ لفظَ “السلامِ”، و “الإسلامِ”:

يجتمعانِ في توفيرِ السكينةِ والطمأنينةِ، ولفظُ “الإسلامِ”: تجمعُ نفسَ حروفِ “السلمِ والسلامِ”، وذلك يعكسُ تناسبَ “المنهجِ والحكمِ والموضوعِ”، وقد وردَ لفظُ “السلامِ” في القرآنِ الكريمِ في “أربعٍ وأربعينَ آيةً”، منهَا: خمسٌ مدنيةٌ، والباقياتُ مكية، ولم يردْ لفظُ “الحربِ” إلَّا في “ستِّ آياتٍ” كلِّهَا مدنية، فالقرآنُ كتابُ سلامٍ، ويدعُو إليهِ، ويحثُّ عليهِ بكلِّ وسيلةٍ ممكنةٍ، ويرفضُ الحربَ والفرقةَ، قَالَ عَمَّارٌ بنُ ياسرٍ – رضيَ اللهُ عنهُ-: “ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ” (رواه البخاري في “صحيحه” معلقاً).

لقد أمرَ اللهُ رسولَهُ ﷺ بقبولِ السلمِ والمصالحةِ، إذا ما رغبَ أعداؤهُ في ذلكَ، وكانت ظواهرُهُم وأفعالُهُم تدلُّ على صدقِ نواياهُم فقالَ تعالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61]، ولهذا لمَّا طلبَ المشركونَ عامَ الحديبيةِ الصلحَ، ووضعَ الحربِ بينهُم وبينَ النبيِّ ﷺ “تسعَ سنين” أجابَهُم إلى ذلكَ مع ما اشترطُوا مِن الشروطِ رغبةً في السِّلْمِ والمسالمةِ.

والشارعُ الحكيمُ كي يعودَ المؤمنَ على عهدِ “السلامِ”، وسلوكِ طريقِهِ، جعلَهُ اللهُ تحيةَ المسلمينَ عندَ لقائِهِم ببعضِهِم، وعندَ فراقِهِم فقالَ تعالَى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61]، وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:«يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ» (رواه الترمذي).

تابع / خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو : السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، للدكتور محروس حفظي

والإسلامُ ليس دينَ قتلٍ ووحشيةٍ كما يُرَوّجُ لهُ وإنّمَا الأصلُ فيهِ أنّهُ دينُ السلامِ والإحسانِ، فهذه الشبهةُ تتعارضُ مع وقائعِ التاريخِ، ومجرياتِ الأحداثِ، ومِن وصايَا سيدِنَا أبِي بكرٍ الصديق رضي اللهُ عنهُ لقائدِ جيشِهِ: «وَلَا تُغْرِقُنَّ نَخْلًا وَلَا تَحْرِقُنَّهَا، وَلَا تَعْقِرُوا بَهِيمَةً، وَلَا شَجَرَةً تُثْمِرُ، وَلَا تَهْدِمُوا بَيْعَةً، وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا الشُّيُوخَ وَلَا النِّسَاءَ، وَسَتَجِدُونَ أَقْوَامًا حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ فَدَعُوهُمْ وَمَا حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ» (رواه البيهقي في “السنن الكبرى”).

تقولُ الباحثةُ البريطانيةُ “كارين أرمسترونج” :«إنّنَا في الغربِ بحاجةٍ إلى أنْ نخلِّصَ أنفسَنَا مِن بعضِ أحقادِنَا القديمةِ، ولعلَّ شخصاً مثل مُحمدٍ يكونُ مناسباً للبدءِ، فقد كان رجلاً متدفقَ المشاعرِ، وقد أسّسَ ديناً وموروثاً حضارياً لم يكن السيفُ دعامتهُ برغمِ الأسطورةِ الغربيةِ، وديناً اسمهُ الإسلامُ، ذلك اللفظُ ذو الدلالةِ على السلامِ والوفاقِ» (سيرة النبي محمد).

يقولُ أ.د/ موسى لاشين: (الحقُّ أنَّ الإسلامَ نُشِرَ بشريعتِهِ الحكيمةِ السمحةِ، وما دخلَ الناسُ في دينِ اللهِ أفواجاً إلّا عن اقتناعٍ، وحبٍّ لتعاليمِهِ، ويكفيهِ مثلاً في العفوِ عن المسيئينَ، والتسامحِ مع المحاربينَ ما حصلَ منهُ يومَ فتحِ مكةَ، وقولُهُ لِمَن آذَى وقاتلَ، وقتلَ مِن المسلمينَ مَن قتل، أنْ قالَ لهُم: “مَا تَرَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ؟ “قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: “اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ” (رواه البيهقي في “السنن الكبرى”).

إنَّ الإسلامَ دينُ اللينِ، لا دينُ القسوةِ، دينُ السلامِ لا دينُ الحربِ،

دينُ حريةِ العقيدةِ، لا دينُ القهرِ والإرهابِ، دينُ الرحمةِ بالضعفاءِ لا يقتلُ المسلمُ صبياً ولا امرأةً ولا شيخاً عجوزاً مِن الأعداءِ، هكذا كانت تعاليمُهُ عندَ القتالِ بل حتى بعدَ القتالِ، وبعدَ النصرِ على الأعداءِ، وبعدَ أخذِ الغنائمِ والسبيِ إذا دخلَ مَن كانُوا حاربُوا في دينِ اللهِ، وأسلمُوا ردتْ إليهِم أموالهُم وسباياهُم، وعاشُوا أحرارًا آمنينَ) أ.ه. (فتح المنعم شرح صحيح مسلم، (7/385).

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو : السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، للدكتور محروس حفظي

(2) نبيُّنَا ﷺ نبيُّ السلمِ والسلامِ:

مع قدومِ النبيِّ ﷺ المدينة، أعلنَ “السلامَ” للعالمِ أجمع، في ظلِّ طوائفَ متعددةٍ، وأفصحَ عن معالمِهِ ومبادئِهِ، وعمّمَ أمرَهُ بينَ الإنسانيةِ قاطبةً لينشرُوهُ فيمَا بينَهُم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النبي ﷺ المَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ ﷺ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ» (رواه الترمذي).

وقد كان الرسولُ ﷺ يكرَهُ كلمةَ “حربٍ”، ولا يحبُّ أنْ يسمعَهَا، فعَنْ أَبِي وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ﷺ:«أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ، وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ» (رواه أبو داود)، وكانَ ﷺ يُغيّرُ اسمَ “حربٍ” إلى اسمٍ آخرَ أجمل، فعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ :«لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ النبيُّ ﷺ فَقَالَ:«أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: حَرْبًا، قَالَ:«بَلْ هُوَ حَسَنٌ» فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ النبي ﷺ ، فَقَالَ:«أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟» قَالَ: قُلْتُ حَرْبًا. قَالَ:«بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ» فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ:«أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟» قُلْتُ: حَرْبًا. قَالَ: بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ» (رواه أحمد).

كمَا أنَّ الناظرَ في معظمِ أحوالِ النبيِّ ﷺ كان يبحثُ عن طرقٍ سلميةٍ للتعاملِ مع المخالفينَ لهُ، ويحرصُ على تجنُّبِ الحربِ ما استطاعَ إلى ذلكَ سبيلاً، وقد شهدَ أبو سفيانَ – رضي اللهُ عنه- وهو رجلٌ حاربَ النبيَّ ﷺ سنواتٍ عديدةً، ولم يؤمنْ إلاَّ في “فتحِ مكةَ” لرسولِ اللهِ ﷺ بقولِهِ: “إِنَّكَ لَكَرِيمٌ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ لَقَدْ حَارَبْتُكَ فَنِعْمَ الْمُحَارِبُ كُنْتَ، ثُمَّ سَالَمْتُكَ فَنِعْمَ الْمُسَالِمُ أَنْتَ، جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا”. [تاريخ دمشق لابن عساكر].

تابع / خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو : السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، للدكتور محروس حفظي

بل نجدُ أنَّ النبيَّ ﷺ يرسخُ “قيمةَ السلامِ” حتى وإنْ كانَ الذي أمامَهُ يتظاهرُ بهِ لكنْ علينَا أنْ نقبلَ منهُ ما أظهرَهُ، ونعاملَهُ بموجبِهِ، فإنَّ علمَ السرائرِ إنّمَا هو للهِ، فعَنْ أُسَامَةَ قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ ، فَقَالَ ﷺ:«أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ:«أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ» (رواه مسلم).

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو : السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، للدكتور محروس حفظي

(3) صورُ السلامِ في الإسلامِ:

أولاً: السلامُ مع السلامِ جلَّ جلالُهُ: ويكونُ ذلكَ بامتثالِ أمرِهِ، والانتهاءِ عن نهيهِ، قالَ تعالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].

ثانياً: السلامُ النفسيُّ الداخلِيُّ: ولن يتحققَ إلّا بالتخليةِ عمَّا يكدرُ حياةَ الإنسانِ، ويجعلُهُ في حربٍ داخليةٍ، فلا بُدَّ أنْ يطهرَ العبدُ قلبَهُ مِن الغلِّ والحقدِ والبغضاءِ وإلّا سيظلُّ في همٍّ وكربٍ يُؤْدِي بهِ إلى الأمراضِ النفسيةِ قالَ تعالَى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88: 89]، وقالَ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10]، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ»، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ» (رواه ابن ماجه).

ثالثاً: السلامُ الخارجِيُّ: هو نتيجةٌ مترتبةٌ على ما سبقَ؛ لأنَّ السلامَ مع السلامِ جلَّ جلالُهُ ثمَّ السلامَ النفسِيَّ، يثمرُ السلامَ مع سائرِ المخلوقاتِ، فالإسلامُ لا يجتزئُ نوعاً مِن “السلامِ”، ويدعُ آخرَ، بل لا بُدَّ مِن سلامٍ يعمُّ مناحِيَ الحياةِ الروحيةِ والاجتماعيةِ والأخلاقيةِ والسياسيةِ بل تخطَّى الإسلامُ بقضيةِ “السلامِ” العالمَ الإنسِي إلى “السلامِ الشاملِ مع سائرِ المخلوقاتِ والجماداتِ في الكونِ المحيطِ بنَا، فأمرتْ بالحفاظِ على البيئةِ، وحمايةِ ثرواتِهَا ومواردِهَا الطبيعيةِ، وصيانتِهَا عن كلِّ ما يفسدُهَا {وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [الأعراف: 56]، إنّهَا النظرةُ الشاملةُ المتكاملةُ لمفهومِ “السلامِ” في الإسلامِ.

تابع / خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو : السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، للدكتور محروس حفظي

وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النبي ﷺ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا»، وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ:«مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟» قُلْنَا: نَحْنُ. قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ» (رواه أبو داود، وأحمد).

إنَّ “السلامَ الخارجِيَّ” مِن صفاتِ “عبادِ الرحمنِ” الذينَ إذَا خاطبَهُم الجاهلونَ بسفاهةٍ، لم يقابلوهُم بالمثلِ، بل يقابلوهُم بالقولِ الطيبِ، قالَ تعالَى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا، وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63]، وقال أيضاً: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55].

وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قال: سَمِعْتُ النبيَّ ﷺ يَقُولُ: «تَدْرُونَ مَنِ الْمُسْلِمُ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»، قَالَ: «تَدْرُونَ مَنِ الْمُؤْمِنُ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «مَنْ أَمِنَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ فَاجْتَنَبَهُ» (رواه أحمد في “مسنده”).

والمستقرىءُ للنصوصِ يجدُ أنَّ السلامَ هو أصلُ العلاقةِ بينَ المسلمينَ وغيرِهِم، وثمةَ قاعدةٍ ذهبيةٍ في التعاملِ مع الغيرِ قالَ تعالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} [الممتحنة: 8، 9].

وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ» (متفق عليه).

تابع / خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو : السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، للدكتور محروس حفظي

(4) تضحيةُ الفردِ مِن أجلِ المجتمعِ: “خلقُ التضحيةِ” يعززُ التماسكَ المجتمعِي، ويسهمُ في بناءِ وطنٍ قويٍّ، مُهَابِ الجانبِ، مَصُونِ الحِمَى، ويعززُ قيمَ التعاطفِ والإيثارِ، ويحققُ الأمنَ والاستقرارَ الداخلِي، ويقِي مِن المخاطرِ الخارجيةِ، ويجعلُ أهلَهَا في مناجاةٍ مِن الضوائقِ والأزماتِ، وتسلمَ مِن الشحناءِ والعداواتِ، وتنمحِي الأثرةُ، ويسودُهُم التآلفُ والتراحمُ، وتأملْ هذا الأنموذجَ الفريدَ: “أبو طلحةَ الذي ضحَّى بنفسِه وعيالِه لإطعامِ ضيفِ النبيِّ ﷺ، وباتَ هو وأطفالُهُ جياعاً، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:

«مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أَوْ عَجِبَ، مِنْ فَعَالِكُمَا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]» (رواه البخاري).

– العباداتُ كلُّهَا تعلمُنَا “خُلقَ التضحيةِ”:

فالصلاةُ: تضحيةٌ بكلِّ ما يشغلُنَا عنهَا مِن حطامِ الدنيا ولو كانَ شيئاً عزيزاً على النفسِ، محبباً إليهَا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَالِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} [الجمعة: 9]. والزكاةُ: تضحيةٌ بالمالِ الذي هو أنفسُ ما يملكُ الإنسانُ، فهي تطهرُ النفسَ وتنقيهَا مِن الأثرةِ والأنانيةِ، وحبِّ الذاتِ، قالَ تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 8: 9]. والصومُ: يضحِّي المسلمُ بتركِ طعمامِهِ وشرابِهِ وشهوتِهِ مِن أجلِ مرضاةِ اللهِ، ويُلَقَّنُ العبدُ درساً عملياً ألّا ينسَى غيرَهُ، ويؤثرَ الفقراءَ والمحتاجينَ، فهو أحسَّ بمرارةِ الفقدِ. والحجُّ: تضحيةٌ ببذلِ المالِ، ومفارقةِ الأوطانِ، والأهلِ والخلانِ، وتحملِ مشاقِّ السفرِ.

– لنحذرْ مِن التضحيةِ الزائفةِ التي تقومُ على المباهاةِ، وحبِّ الظهورِ، وأخذِ الصورةِ والترندِ:  خلقَ اللهُ البشرَ وفيهِم نوازعُ الخيرِ والشرِّ، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7: 8]، وأمرَهُم بتغليبِ جوانبِ الخيرِ؛ ليسعدُوا في أخرَاهُم قالَ تعالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9: 10]. وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (متفق عليه)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ مَجْرُوحٍ يُجْرَحُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجْرَحُ فِي سَبِيلِهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ جُرِحَ، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ» (رواه ابن ماجه وأحمد).

تابع / خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو : السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، للدكتور محروس حفظي

– تُكتسَبُ “التضحيةُ” بتعويدِ النفسِ على تمنِّي الخيرِ للخلقِ، والتخلصِ مِن الأنانيةِ، وبذلِ الندَي كما يحبُّ ذلكَ منهُم لهُ، فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ» (رواه مسلم).

ولذا تحققَ كمالُ الإيمانِ في النبيِّ ﷺ، وكان يحبُّ أنْ يؤمن قومَهُ، وتأسَّفَ على إعراضِهِم، فخاطبَهُ ربُّهُ قائلاً: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6].

يقولُ سيدُنَا ابنُ عباسٍ: “ما نزلَ غيثٌ بأرضٍ إلّا فرحتُ بذلكَ، وليس لِي فيهَا شاةٌ ولا بعيرٌ، ولا سمعتُ بقاضٍ عادلٍ إلّا دعوتُ اللهَ لهُ، وليس عندَهُ لِي قضيةٌ، ولا مررتُ بآيةٍ مِن كتابِ اللهِ إلّا أحببتُ أنْ يعلمَ الناسُ منهَا ما أعلمُ”. (حلية الأولياء).

– تُكتسَبُ “التضحيةُ” بمرافقةِ أصحابِ المروءاتِ الذينَ تربّوا على التضحيةِ ومارسُوهَا حتى صارتْ سمةً بارزةً في شخصيتِهِم، وقد تربَّى جيلُ الصحابةِ على التضحيةِ والإيثارِ حتى مزج٩ ذلكَ بعروقِهِم، فعن حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ: “أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ خَرَجُوا يَوْمَ الْيَرْمُوكِ حَتَّى أُثْبِتُوا، فَدَعَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ بِمَاءٍ لِيَشْرَبَهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عِكْرِمَةُ، فَقَالَ: ادْفَعْهُ إِلَى عِكْرِمَةَ، فَلَمَّا أَخَذَهُ عِكْرِمَةُ نَظَرَ إِلَيْهِ عَيَّاشٌ، فَقَالَ: ادْفَعْهُ إِلَى عَيَّاشٍ، فَمَا وَصَلَ إِلَى عَيَّاشٍ حَتَّى مَاتَ، فَمَا وَصَلَ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَتَّى مَاتُوا” (حياة الصحابة للكاندهلوي، 1/392).

 

– صورُ التضحيةِ:

(1) التضحيةُ بالنفسِ، والتحلِّي بالشجاعةِ والإقدامِ؛ لاستنقاذِ الآخرينَ، أو حمايةِ دينِهِم وأوطانِهِم مِن أعظمِ معاشِ الناسِ أي: مِن خيرِ أحوالِ عيشِهِم، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ، رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً، أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ، يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ، أَوْ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ فِي رَأْسِ شَعَفَةٍ مِنْ هَذِهِ الشَّعَفِ، أَوْ بَطْنِ وَادٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْدِيَةِ، يُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ، لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إِلَّا فِي خَيْرٍ» (رواه مسلم).

“ممسكٌ عنانَ فرسِهِ”: أي متأهبٌ ومنتظرٌ وواقفٌ بنفسِهِ على الجهادِ في سبيلِ اللهِ.

“يطيرُ على متنِهِ”: أي يسرعُ على ظهرِهِ حتّى كأنّهُ يطيرُ. “هيعةً”: الصوتُ المفزعُ الْمخوفُ مِن عَدوٍّ أَو غَيرِهِ.

“أو فزعةً”: النهوضُ إلى العدوِّ. “مظانَّهُ”: المواضعُ التي يظنُّ وجودهُ فيهَا.  “شعفةٍ”: أعلَى الجبلِ.

(2) “التضحيةُ” بالمالِ؛ لإنقاذِ حياةِ المرضَى، وإيواءِ المحتاجينَ وغيرهَا مِن وجوهِ النفعِ والبرِّ مِن أعظمِ القرباتِ؛ لأنَّ “العبادةَ المتعديةَ أفضلُ مِن القاصرةِ” كما قررَ السادةُ الفقهاءُ، فعن أَنَسٍ قال: «كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَى، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَى، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا، يَا رَسُولَ اللهِ، حَيْثُ شِئْتَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ : «بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ» فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ» (متفق عليه).

تابع / خطبة الجمعة القادمة 4 يوليو : السلامُ رسالةُ الإسلامِ ، للدكتور محروس حفظي

نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان   د / محروس رمضان حفظي عبد العال

مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى